قصة وزير الداخلية الذى تحدى العادلي،لا يخش في الحق لومة لائم، يرفض الاستثناءات، نظيف اليد، عاشقاً للقراءة والاطلاع.. ضابط الشرطة الوحيد الذي اعترض على قرارات حبيب العادلي عقب أحداث الأقصر، إنه اللواء منصور العيسوي وزير الداخلية الأسبق.
أفنى العيسوي حياته في مساعدة الفقراء واليتامى وخصص نصف ثروته لبناء مستوصف طبي بحي شبرا مصر
في الساعات الأولى من 17 يناير 2023، رحل عن عالمنا اللواء منصور العيسوي، تاركًا سيرة عطرة وذكرى طيبة، وروحاً نقية، وإنجازات مضيئة.
20 يومًا قضاها العيسوي، داخل غرفة العناية المركزة بمستشفى الصفا بحي المهندسين. يعاني من ضيق في التنفس، وفشل كلوي. هكذا قضى أيامه الأخيرة قبل أن يفارق الحياة.
ولد منصور العيسوي يوم 18 سبتمبر 1937م في مدينة إسنا بمحافظة الأقصر، حصل على تعليمه الابتدائي في مدينة إسنا.
التحق بكلية الشرطة وتخرج فيها عام 1959، تقلَّد العديد من المناصب الشرطية حتى شغل منصب وزير الداخلية في مارس عام 2011، خلفًا للواء محمود وجدي.
بدأ الراحل حياته الشرطية في مديرية أمن القاهرة، وتدرج في المناصب، حتى وصل إلى مفتش أمن القاهرة، ثم وكيلاً لإدارة مباحث القاهرة، ثم مديراً لأمن الجيزة 1988، واستمر بها 3 سنوات.
وعُيّن مساعد وزير الداخلية بشمال الصعيد 1991، ثم مساعداً لوزير الداخلية لوسط الصعيد 1992، ثم مساعداً أول للوزير ومديراً لأمن القاهرة 1993، ثم مساعداً أول لوزير الداخلية للأمن العام 1995، ثم عُيّن محافظاً للمنيا 1996 حتى 1997، وصدر قرار رئاسي بإحالته إلى المعاش عام 1997.
بعد نحو 14 عاما على إحالته للمعاش، اندلعت أحداث ثورة يناير، وشهدت البلاد انفلاتًا أمنيًا. لم تجد القيادة السياسة آن ذك أفضل من اللواء العيسوي لتولي المنصب؛ لما عُرف عنه من استقامة أخلاقية، وخبرات طويلة.
على مضض وتحت ضغوط، قبل العيسوي منصبه الجديد، مبديًا تخوفه من إصدار أي قرارات تظلم أحد: “متمناش أكون وزير داخلية.. أخشى إصدار أمر يغضب ربنا”، بحسب ما قاله صديقه المقرب ممدوح البارودي لمصراوي.
فور تولّيه مهام منصبه عمل على تحسين صورة جهاز الشرطة، ودفع الجهاز لحسن معاملة المواطنين، وإعادة الثقة بين الشرطة والشعب، وتقليص دور جهاز أمن الدولة.
منذ توليه منصبه الجديد، خفض العيسوي، الحراسة الشخصية وموكب الوزير إلى أقصى حد، وعندما حدثه أحد المقربين بخطورة ذلك، رد:” الحارس هو الله”، رافضًا زيادة أعداد الحرس الخاص.
يرفض الاستثناءات حتى لنفسه، فعقب تولي العيسوي منصبه الجديد، رفض تقاضي أي مبالغ أو مُخصصات مالية إضافية، فوق مرتبه الذي يحدده القانون.
بعد توليه منصبه بنحو 10 أيام، وبالتحديد في منتصف مارس 2011، أصدر العيسوي قرارًا بإلغاء جهاز مباحث أمن الدولة بكافة إداراته وفروعه ومكاتبه بجميع محافظات الجمهورية.
القرار تبعه إنشاء قطاع جديد بالوزارة بمسمى “قطاع الأمن الوطني”، يختص بالحفاظ على الأمن الوطني والتعاون مع أجهزة الدولة المعنية لحماية سلامة الجبهة الداخلية ومكافحة الإرهاب، وفقا لأحكام الدستور والقانون ومبادئ حقوق الإنسان وحرياته.
يحكي البارودي صديق العيسوي: في يوم أثناء عودته لمنزله، لاحظ الوزير الراحل أن قوات الشرطة وضعت حواجز حول مسكنه القريب من حديقة الحيوان، فغضب وأصدر قرارا بإزالة الحواجز، قائلا: ” مفيش استثناءات حتى للوزير.. الناس كلها سواسية”، وفي اليوم التالي لم يجد الوزير مكانا لسيارته.
مُتفرداً في كل مواقفه، يقول صديق الوزير: عقب حادث الأقصر الإرهابي والذي أسفر عن مقتل 58 سائحا، كان للعيسوي موقفا شجاعا حينما اعترض على قرارات حبيب العادلي بنقل جميع ضباط مكتب وزير الداخلية الأسبق حسن الألفي.
السابع من ديسمبر 2011م، كان اليوم الأخير للراحل في منصب وزير الداخلية، منذ ذلك الوقت كرس العيسوي حياته لمساعدة الفقراء والمحتاجين، وخصص نصف ثروته لذلك، إضافة إلى إنشاءه مستوصف طبي مجاني بحي شبرا مصر، بحسب صديق الوزير “ممدوح البارودي”.
كان الوزير الرحل حافظا للقرآن الكريم، وعاشقا للقراءة، ومثقفا لأبعد حد لدرجة أنه خصص شقة سكنية- يمتلكها في مدينة 6 أكتوبر- مكتبة بعدما ضاقت شقته البسيطة في الجيزة على آلاف الكتب.
الوزير الراحل يعشق آل البيت وكان دائم التردد على مساجد آل البيت، لاسيما مسجد السيدة نفيسة، لذلك شُيعت جنازته أمس بعد الصلاة عليها في مسجد السيدة نفيسة.