شهدت مصر في تاريخها عدة محاكم انقرضت بمحاكم جديدة، أدت مهمتها، ومن بين هذة المحاكم محاكم الأخطاط، أو محكمة الخَط، هي محاكم قديمة كانت متواجدة في صعيد مصر.
ومن مواصفات هذة المحاكم أنها تتشكل من الأعيان ورجال الإدارة ولا تتقيد بضوابط المحاكمات التي توجد في القوانين العادية، وهى ضمن المحاكم الأهلية الاستثنائية ” ونستعرض في التقرير التالي تاريخ محاكم الخَط القديمة، في الصعيد ورؤية الباحثين في الصعيد عن سبب اندثار الأمكنة التي كانت تنعقد فيها جلساتها.
في بدايات القرن العشرين، كانت مصر تتكون من 14 مديرية فقط ولكل مديرية حاكم أو مدير على رأس الإدارة، وهو بمثابة موظف كبير في وزارة الداخلية، وكانت له صلاحيات واسعة، وكانت تنقسم المديرية إلى عدد من المراكز ولكل مركز ضابط مسئول يسمى المأمور، أما رئيس الشرطة فكان هو الحكمدار، كما كان للعمدة في الريف صلاحيات واسعة لدى الحكومة، الذي كان عليه حفظ الأمن في النجوع والقرى وإبلاغ المسئولين.
وقال الباحثين أن هذة المحاكم أنشت في عام 1871، بناءً على اقتراح مجلس شورى النواب، والتي تكونت من مجالس أو محاكم بالقرى والأخطاط لنظر القضايا الصغيرة سميت بمجالس الدعاوى المركزية، تمييزا لها من (المجالس المحلية) المنشأة في عواصم المديريات. وركزت هذه المحاكم عمومًا، على المسائل الجنائية بنظر القضايا الصغيرة وإصدار أحكام غير قابلة للطعن، مؤكدا أنها سميت بمحاكم الخط نسبة للمسمى الجغرافي خطوط الناحية، وقد تم تأسيسها بعد شيوع الفوضى، وعصابات السطو وكثرة جرائم القتل.
وكانت المسميات التي تطلق المجرمين وقتها وينادى بها في محاكم الخط ” شقي، ومجرم، وفتوة، وزعيم عصابة، وفلاتى” ، سواء في المكاتبات الحكومية في عصر محمد علي باشا وخلفائه أو في الصحف القديمة، قبل أن يثبت لفظ “خُط الصعيد” على زعيم العصابة الذي يروع المواطنين، ويتخذ من الإجرام حرفة، مؤكدا أن المحاكم القديمة المسماة بالأخطاط كانت تنعقد في داوين العائلات بالصعيد، ولم تحكم في قضايا كبري تخص المجرمين، التى كانت من اختصاص المحاكم الأهلية التي تتواجد في المراكز.
و شاع لفظ الفلاتية على قطاع الطرق والمجرمين في عهد محمد علي باشا الذين يسكنون الجبال وينشرون الفزع والخوف، وأيضًا في عهد الخديو إسماعيل وكان أشهر فلاتي دونته الوثائق هو هريدي الرجيل في قرية السمطا بدشنا شمالي قنا في عهد محمد علي باشا، الذي كون عصابة وإلقاء القبض عليه، وذلك بعد قيامه بتنفيذ الكثير من الجرائم بحق الموظفين والأجانب في القرن التاسع عشر.
وأطلق أيضًا على كل من هو ضد قرارات الحكومة في عهد الخديوية وسياساتها، مؤكدًا أن العقلية الشعبية جعلت للفلاتى قصة أسطورية مغايرة للتاريخ الرسمى الذي أوردته الوثائق الرسمية، حيث كان يسكن الجبال هاربا من الحكومة ويقوم بتنفيذ جرائمه متخفيا، وهو زعيم عصابة يلتف حوله أعوانه الذين يرشدهم لتنفيذ مخططاته، مؤكدا أن محكمة الأخطاط لم تكن بديلة عن المحكاكم الأصلية التى تتواجد في المديريات والمراكز، بل كانت قضاياها بسيطة وأغلبها جلسات عرفية، وكان لها دورها بعد الفوضى العارمة التى عمت قرى مصر بعد الاحتلال البريطانى لمصر عام 1882م .
ويذكر كتاب توماس راسل حكمدار القاهرة، ترجمة مصطفي عبيد، أنه قد تولى منصب في قنا الكثير من العصابات في القرى بدايات القرن العشرين، مثل عصابات مرسال في نجع حمادي وهي عصابة كونها شخص يدعي مرسال وكانت تشيع الخوف والفزع وتسكن في زراعات قصب السكر لتنفيذ مخططاتها من سلب ونهب، وسرقة، وقتل وهتك أعراض، مما جعل الخوف يتحكم في العمد والمشايخ الذين كانت لهم سلطة كبيرة.
وأوضح راسل أن مرسال كان اسمه كفيلا بإلقاء الفزع والخوف لدي الجميع، مؤكدا أنه تم عمل خطة لإلقاء القبض علي مرسال نجع حمادي، وذلك بمعاونة فرقة الهجانة، كما أورد راسل قصة تفكك العصابة التى كانت تنشر الفزع والخوف، ورحيل أعوانها إلي البحيرة والإسكندرية، بعد القضاء علي سطوتها في الصعيد.
ويضيف الباحث التاريخي أحمد الجارد لــ”بوابة الأهرام” أن فى عام 1912 تم إنشاء 200 من محاكم الأخطاط التي تستخدم إجراءات مبسطة وقضاة غير محترفين في القرى وتتكون محكمة الخط من خمسة من الأعيان يكون أحدهم رئيسا ويكون تعيينهم بقرار من ناظر الحقانية “وزير العدل” حاليا، وقد ألغيت محاكم الأخطاط بموجب قانون رقــم 34 لسنة 1930، مؤكدا أن مكانها كان ينعقد فى الدواوين، وليس في مؤسسة حكومية كالمحاكم الرسمية.
وأضاف الجارد أن محاكم الأخطاط وضعت بسبب قلة المواصلات بين القرى والنجوع والمحاكم، مؤكداً أنها انتهت بشكل كامل، حتى إن شكل الديوان الذي كانت تعقد فيه الجلسات تغير نظرا لأنها ملك الأهالي وكانت تنعقد في أملاكهم الأصلية، وأوضح أنه لم يبق من الدواوين الأهلية التى كانت تعقد فيه محكمة الخط سوى ديوان وحيد في مركز قفط جنوبي قنا، بالإضافة إلى أوراق حكومية قديمة بتعيين رؤساء لها قديمًا، والذين كان معظمهم من العمد والأعيان.