من القواعد الراسخة قي ضمير العدالة ألا يُدان إنسان دون دليل يثبت وقوع الجريمة ونسبتها إليه، أما ما دون الدليل أو القرائن البسيطة أو بالأحري الدلائل فلا يصح أن يستمد منها القاضى اقتناعه ويؤسس عليها بمفردها حكم الإدانة، وعلة ذلك أن الأحكام الجنائية تبني علي الجزم واليقين من الواقع الذي يثبت بالدليل المعتبر لا علي الظن والتخمين حال أن الدلائل تقوم علي الاحتمال، فالتهم يجب أن تُدفع بغلبة الظن في مقام اليقين.
ومن أمثلة الدلائل التحريات التي يستقيها الضابط من مَصادره السرية، ويرفض الإفصاح عنها تحقيقا للصالح العام أو المعلومات التي يجمعها من جمهور الناس عند انتقاله لمحل الواقعة لفحص البلاغ مادام لم يحدد شخص بعينه نقل إليه هذه المعلومات، ومن أمثلة الدلائل أيضا التسجيلات الصوتية واستعراف الكلب البوليسي.
القيمة القانونية للمصلحة كدليل علي إرتكاب الجريمة أو الاشتراك فيها
في التقرير التالى، يلقى “برلماني” الضوء على إشكالية القيمة القانونية للمصلحة كدليل علي ارتكاب الجريمة أوالاشتراك فيها، خاصة وأن الدليل الجنائي إما أن يكون آثر من منطبع في نفس أو في شيء أو يتجسم في شيء يدل علي وقوع جريمة من جانب شخص معين، فإذا كان الدليل عبارة عن آثر منطبع في نفس كأقوال شاهد أو اعتراف المتهم كان الدليل نفسي، وأما أن كان الدليل أثر منطبع في شيء كبصمة الجاني أو آثر يتجسم فيه كالمخدر أو النقود المزيف التي وجدت في جيب الشخص كان الدليل ماديا – بحسب أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض ياسر الأمير فاروق.
في البداية – قد يكون الدليل أيضا كاملا يدل على وقوع الجريمة وعلى نسبتها الى شخص معين، وقد يكون دليل جريمة فقط أي دليل وقوع جريمة دون نسبتها الى شخص معين كرؤية شخص مذبوح أو التقارير الطبية وتقرير الصفة التشريحية ومعاينة المعمل الجنائي، والدليل في النهاية كما قد يكون بسيطا أي دال بذاته وبمفرده للقطع بوقوع الجريمة من جانب المتهم، وقد يكون مركبا أي خليط أو مزيج من عدة آثار تتراكم بحيث تقطع في النهاية بوقوع الجريمة من جانب الجاني – وفقا لـ”فاروق”.
المشرع وضعها “عين الإعتبار” كونها تعود على الشخص بالمنفعة
وهو ما تطلق علية محكمة النقض الأدلة المباشرة وغير المباشرة، والأخيرة اصطلح الفقه علي تسميتها بالقرائن أي استخلاص واقعة مجهولة “ارتكاب المتهم الجريمة” من واقعة معلومة وثابتة، كإستخلاص ارتكاب المتهم للسرقة من واقع ضبط المسروقات في حوزته أو وجود بصماته علي المكان محل السرقة دون مبرر أو استنتاج قتل المتهم للمجني عليه من واقع ضبط السلاح المستخدم في الحادث في منزله وعليه بصماته أو ضبط ملابسه وعليها بقع دم من فصيله دم القتيل، أو وجود أجزاء من جثه القتيل في منزل المتهم، وكذا استخلاص هتك عرض المتهم للمجني عليه من وجود آثار لمني يخصه علي ملابس المجني عليه، وكلما كانت القرينة قويه كان استدلال القاضي بها مقبولا، وكلما كانت ضعيفة كان استدلال القاضى بها فاسدا، وتكون القرينة ضعيفة، كلما كانت لا تودي حتما ووفقا لطبائع الأمور الي ارتكاب المتهم للجريمة – طبقا لـ”فاروق”.
ولقد أثير تساؤول حول ما إذا كانت (المصلحة) تعد دليل علي ارتكاب المتهم الجريمة من عدمة؟ ووجه التساؤول أن (المصلحة) تجعل للشخص فائدة ومنفعة تعود عليه من ارتكاب الجريمة، وبالتالي فهي قد تكون بمثابة السبب أو الباعث علي ارتكاب الجريمة، ولا يمكن إهمالها وعدم التعويل عليها كدليل ولو غير مباشر علي ارتكاب الجريمة، بل أنه في بعض الأحيان يستحيل إثبات الجرائم بدليل مادى محسوس، كما هو الشأن في الاشتراك في الجرائم، ولكن في ذات الوقت يجب أن يلاحظ أن العلاقة بين المصلحة وارتكاب الجريمة علاقة ضعيفة، إذ ليس كل صاحب مصلحة بحكم اللزوم العقلي والمنطقي لابد وأن يكون ضالع في الجريمة، ويجرى قضاء النقض وبحق علي أن المصلحة قرينة ضعيفة لا تصلح كدليل علي ارتكاب الجريمة أو الاشتراك فيها – الكلام لـ”فاروق”.
رأى محكمة النقض في الأزمة
هذا وقد سبق لمحكمة النقض الإدلاء بدلوها في تلك الإشكالية في الطعن المقيد برقم 4229 لسنة 88 قضائية، الصادر بجلسة 13 يناير 2021، والذى جاء في حيثياته: أن مجرد ضبط الورقة المزورة أو الخاتم المقلد أو التمسك بذلك أو وجود مصلحة للمتهم في تزويرها أو تقليده غير كاف لإثبات إسهامه في التزوير أو التقليد كفاعل أو شريك أو علمه بذلك، وعلة ذلك لاسيما في الإشتراك في التزوير أن الاشتراك في الجريمة يتم غالباً دون مظاهر محسوسة يمكن الاستدلال بها عليه، ويكفى لثبوته أن تكون المحكمة قد اعتقدت بحصوله من ظروف الدعوى وملابساتها، ولها أن تستقى عقيدتها في ذلك من قرائن الحال إلا أنه من المقرر أن مناط جواز إثبات الاشتراك بطريق الاستنتاج استناداً إلى القرائن أن تكون هذه القرائن منصبة على واقعة الاتفاق على ارتكاب الجريمة أو التحريض أو المساعدة في ذاتها، وأن يكون استخلاص الحكم للدليل المستمد منها لا يتجافى مع العقل والمنطق فإذا كانت الأسباب التى اعتمد عليها الحكم لا تؤدى إلى ما انتهى إليه فعندئذ يكون لمحكمة النقض بما لها من حق الرقابة على صحة تطبيق القانون أن تتدخل وتصحح هذا الاستخلاص بما يتفق مع المنطق والقانون.
حكم أخر لمحكمة النقض
وكذا الطعن المقيد برقم 7161 لسنة 81 قضائية، الصادر بجلسة 18 ديسمبر 2012، والذى جاء في حيثياته: وكان من المقرر كذلك أن الأحكام الجنائية يجب أن تبنى على الجزم واليقين من الواقع الذى يثبته الدليل المعتبر ولا تؤسس على الظن والاحتمال من الفروض والاعتبارات المجردة، وإذ كان الحكم لم يستظهر عناصر اشتراك الطاعن الثانى في الجريمتين اللتين دان الطاعن الأول بهما وطريقته ولم يبين الأدلة على ذلك بياناً يوضحها ويكشف عن قيامها، وذلك من واقع الدعوى وظروفها وكان مجرد كون الطاعن الثانى صاحب المصلحة في الحصول على الربح لا ينصب على واقعة الاتفاق والمساعدة في ارتكاب هاتين الجريمتين ولا يكفى بمجرده في ثبوت اشتراك الطاعن الثانى فيها، فإن الحكم يكون مشوباً بالقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال مؤسساً على الظن والاحتمال من الفروض والاعتبارات المجردة، بما يعيبه ويوجب نقضه والإعادة، وذلك دون حاجة إلى بحث باقى أوجه الطعن.