رجل يسدد لحماته 13 طعنه بأوسيم، سمعت النساء صوت «خالد»، الجار، صاحب ورشة تصليح الأدوات المنزلية، المواجهة لمنزل «أم هاشم»، بائعة الخبز، في حى أوسيم بالجيزة، يستغيث، فأطلقن صرخات مدوية، وبدأت «كوثر»، ابنة السيدة العجوز، في وسط الشارع بالصياح والعويل لأنها اتصلت بأمها ووجدت تليفونها غير متاح، وباب منزلها كان مغلقًا على غير العادة: «أمى عندها السكر والضغط، خايفة تكون جرى لها حاجة!»، وتقول والأهالى يهدئونها: «اصبرى، هنطلب الحكومة تيجى»، وهى تسألهم مندهشةً: «إزاى هنتصل بالشرطة، لو هي تعبانة؟!»، فكان جيرانها يخفون عنها وقع الصدمة.
قامت سيدة مُعمّرة وحاولت اللحاق بـ«خالد»، تقترب منه لتعرف «شوفتها مقتولة فعلًا؟»، قبل أن تحضر سيارة الإسعاف لنقل «أم هاشم» إلى المستشفى، ويحكى أنه رأى الدماء تسيل من نافوخها وصدرها وبطنها وإيديها الإثنين ووجهها كان متورمًا ويكسوه اللون الأزرق، ولم يدر بذهنه أنها قتيلة!، ويظن مع الأهالى أن غيوبة السكرى آتاتها وجعلتها تسقط من على السلالم ميتة.
اكتظ محيط المستشفى بجيران وأقارب «أم هاشم»، يتجهون بأنظارهم ناحية «محمد»، سائق الميكروباص، زوج ابنتها «كوثر». عدد من الأهالى كانوا يشيرون إلى أنهم رأوه يقفز من منزل خلفى على بيت حماته، وكان يرتدى «سلوبت»، يشبه عمال شركات الغاز الطبيعى ليخفى هويته إن شاهده أحدهم.
في ذلك اليوم، أخبر «محمد» زوجته بأنه سينام خارج منزلهما لأنه سيجلس بجوار سيارته بورشة الميكانيكى لتصليحها، وما إن شاهدته سيدة من أقارب المتوفاة في محيط المستشفى، وبدا على وجهه آثار «خرابيش» لتسأله عن ذلك، فيبرر لها أنه تشاجر مع أشخاص كونهم أرادوا الاستيلاء على 200 جنيه منه!
في أول الأمر، ارتبك «محمد»، إذ كان السؤال مفاجئًا له، والاشتباه يحوم حول قتله حماته، لكنه ما لبث أن فرح بأن طبيبًا أخبرهم بإمكانية دفن جثمان «أم هاشم»، وكادت أسرتها تمضى في طريق توصيلها إلى مثواها الأخير، حتى انقلبت الأمور رأسًا على عقب، إذ أبلغت ابنتها الشرطة، التي حضرت للتحرى: «جوزى قتل أمى»، وبكت وهى تروى أنها شاهدت غُسل أمها، ووجدت بذراعيها طعنات بآلة حادة، وتكمل على كلامها زوجة شقيقها للمباحث: «شفت حوالى 3 طعنات في صدرها وبطنها».
رأت «كوثر»، وجه زوجها وآثار الطعنات بجسد أمها من جديد، فمسحت دموعها ثم أمعنت النظر في ملامحه فتيقنت ممّا حدسها يخبرها به، لكنّها لم تستطع أن تصدقه، وقالت للمباحث: «خناقة دارت بينى وبين جوزى قبل ساعات، لأنه يريد أن أنقل عيشتى وأطفالنا الثلاثة بمنزل أسرته في محافظة البحيرة، وأمى تدخلت ونصفتنى وزعقت معاه في التليفون، وبعد المكالمة أمسك بالهاتف وكسره على الأرض لشده الغيط أكيد للسبب ده، كان عايز ينتقم منها».
جزء من لحم «محمد» كان في أظافر حماته، كشف عن وجود آثار مقاومة لها وقت الجريمة، لتُعيد ابنتها سرد يوم الواقعة: «اتصلت بأمى حوالى الساعة 12 بالليل، وجوزى قالِّى هروح الورشة أصلح الميكروباص، وهبات هناك، ومن الصبح بدرى باتصل بأمى، مش بترد عليَّا، وتليفونها مقفول، قلقت عليها لأنها مريضة، لحد ما جت لها البيت، وواحد من الجيران نط من بلكونة أول دور في البيت، ونزل على السلالم، فلقاها ودمها حواليها، وخبُّوا عنى التفاصيل!».
المنزل الذي تقطنه «أم هاشم» لا يقطنه سواها وابنها وزوجته، اللذين لم يكونا متواجدين وقت الجريمة، وبينما كانت «العجوز» كعادتها عند تمام الـ10 صباحًا تصعد للطابق الرابع لإطعام الخراف والماعز والطيور التي تربيها، قابلها زوج ابنتها بالدور الأول ليُطبق الخناق على رقبتها ويكتم أنفاسها، وفق الابنة، التي تقول- نقلًا عن اعترافات زوجها: «جاب مقص، وطعنها في صدرها وبطنها، وبحتت إزاز أكمل تقطيع وطعن في إيديها، ولم يتركها سوى جثة هامدة».
صراخ «كوثر» على أمها لا يتوقف على هذا النحو: «دى كانت بتصرف عليَّا وعلى عيالى وبتساعدنى، كانت بتقسم معايا اللقمة، عمرها ما بخلت عليَّا بمليم، تشقى وتقسم معايا آخر اليوم اللى كسبته، وتقولِّى عن أي حاجة بالنص أنا وانتى، جوزى مكانش بيشتغل على طول، وهى كانت شايلة البيت والعيال، أمى بقى لها 30 سنة شغالة وشقيانة، وبتبيع العيش في الشوارع، والناس كلها تعرفها، معقول تكون دى آخرتها وموتتها؟!».
في الوقت الذي شهد به الأهالى بأنهم رأوا «محمد» يمر من أمامهم مرتبكًا، وعلى وجهه آثار دماء، ومتعكر المزاج، كانت زوجته تقول: «عمرى ما شفت يوم حلو معاه، من 14 سنة جواز، واللى صبرنى أمى عشان عيالى التلاتة»، ويصعب عليها حال أمها، فتندب: «حتى شعر أمى قطعه بإيديه، ولا عمره شاف منها غير كل خير ومعاملة بما يُرضى الله!».
وكان الجيران، يؤكدون أن «أم هاشم» كانت تعتبره ابنًا لها لدرجة أنها كانت تعطيه مما ترزق منه «لو حد جه لها زيارة في بيتها»، ودائمًا كان يناديها بـ«يا أمى»، وابنتها تشير إلى صور تجمعه مع المجنى عليها «ولا عمرنا كنّا نشك فيه، ولا يجى بذهننا اللى حصل، كان واحد من العائلة»، حزينة تردد «قتل أمى زى الفرخة».