بقلم: سمية عبد المنعم
تلهث أنفاس العالم وأنفاسنا نحن المصريين وراء البيانات الإحصائية للحالات التي تتساقط جراء الإصابة بفيروس كورونا كل ساعة وربما كل دقيقة.
وما بين تصريحات رئيس وزراء بريطانيا والتي حث فيها شعبه على توخي الحذر خاصة في الأيام المقبلة ، منهيا حديثه بتلك العبارة التي هزت قلوب العالم :” ودعوا أحباءكم”، وبين تصريحات وزيرة الصحة المصرية الأخيرة ، حيث أكدت أنه إذا تجاوز عدد الإصابات ال١٠٠٠ إصابة، سيكون من الصعب حصر المخالطين بتلك الحالات، لتتزايد المخاوف وترتجف القلوب ، وترتفع النداءات العاقلة بالتزام البيوت وتجنب ما اعتدنا عليه من تجمعات في المناسبات والأسواق والشوارع.
وربما تتعلق أعيننا أكثر بما وصلت إليه إيطاليا من تدهور ، فبينما تخطى عدد الإصابات بالفيروس حول العالم 300 ألف إصابة،وارتفع عدد الضحايا إلى نحو 13 ألف حالة وفاة، أعلنت إيطاليا التي وقع فيها أكبر عدد من الضحايا بسبب الوباء، تسجيل 793 وفاة جديدة، لترتفع بذلك حصيلة الوفيات إلى 4825 وهي الأعلى في العالم.
وتتزاحم الأسئلة في الصدور عن سبب تدهور الأمر ووصوله إلى تلك الحالة المزرية بإيطاليا، والحقيقة إن هناك عدة أسباب بعضها جغرافي والبعض الآخر سلوكي، فأما الجغرافي فيرجع لتمركز سكان إيطاليا على مساحة محدودة من البلد، وهو ما يزداد معه الاختلاط والزحام وبالتالي تزايد فرص انتقال العدوى، كذلك فإن ما يتمتع به شمال ايطاليا وهو نقطة انطلاق الفيروس _ حيث تمحور تفشي المرض المدمر في إيطاليا حول ميلانو والمناطق الريفية المحيطة به في مقاطعتي لومباردي وفينيتو _ من مركز تجاري والتقاء لكل التجار والسائحين من أنحاء العالم ، إنما ساعد في انتقال العدوى إلى البلد نفسه.
وهناك عامل اجتماعي وسلوكي يرى أغلب المحللين أنه السبب الأكثر تأثيرا ، وهو وجود بيوت العائلة في ايطاليا، وهو ما يسمح بتواجد الجد والجدة والأم والأب والأبناء في بيت واحد، وبالتالي تصبح إمكانية نقل العدوى من الشباب إلى كبار السن أكثر تحققا ، فيبلغ عدد الأشخاص فوق ال 65 عاما في ايطاليا 22 % ، ومن المعروف أن الأشخاص فى هذه السن أكثر عرضة للوفاة إذا أصيبوا بفيروس كورونا، ولكن قد تكون تحركات الشباب هي التي تسببت في الكارثة، حيث إنه من الشائع أن يعيش الشباب في المناطق الريفية مع آبائهم وأجدادهم ولكنهم يتنقلون إلى المدن ، مثل ميلانو ، للعمل والاختلاط.
فيما يرى آخرون أن الخطأ الذي وقع به مسئولو إيطاليا من تأخرهم في اتخاذ التدابير اللازمة لمواجهة الأمر هو السبب الأول لتفاقم الكارثة، خاصة مع عدم اعتراف الكثيرين بوجود الفيروس من الأساس وتشكيكهم في كونه مجرد لعبة سياسية .
ورغم إغلاق إيطاليا معظم الأنشطة التجارية وحظر التجمعات العامة في شتى أرجاء البلاد اعتبارا من 12 مارس ،وإغلاق الحانات والمطاعم ومعظم المحلات التجارية، فضلا عن المدارس والجامعات، إلا أنه مازالت حالات الاصابة والوفيات في تصاعد مزعج.
حتى إن رئيس الوزراء الايطالي جوزيبي كونتي قال في تصريحات صحفية “لن نستطيع العودة فورا إلى الحياة كما كانت من قبل حتى عندما تنتهي الإجراءات”.
وإذا أمعنا النظر قليلا ، سنلاحظ نقاط تشابه عدة بين التركيبة السكانية في إيطاليا ومثيلتها بمصر، سواء من حيث تمركز السكان أو توفر بيوت العائلة ، كذلك تشابه الكثير من السلوكيات الجماعية وعشق التجمعات والمناسبات والاحتفالات ، ورفض الكثيرين ” من محدودي الوعي، أو ممن لهم مصالح تجارية قد يهددها اختفاء التجمعات”، لقرارات منع الاختلاط وحظر الأنشطة التجارية وعدم النزول من المنازل الا للضرورة .
وهو ما يهددنا بأن نلقى المصير نفسه، فنصحو على كارثة انفجار الأعداد المصابة لنصبح ايطاليا جديدة لا قدر الله.
ففي رصد إعلامي وشعبي لمدى استجابة العامة لقرارات ونداءات الحكومة ، كانت الصدمة بعدم اعتراف الكثير بخطورة الوضع ، بل ورأينا بعض التحايلات من التجار والبائعين ، بمساعدة الناس ، وبعض سلوكيات العامة وإصرارهم على ارتياد الأسواق وأماكن التجمعات،وهو ما يجعل حتمية حظر التجوال واجبة ، بل وضرورة الإسراع بفرض عقوبات على المخالفين للقرارات، مع الأخذ في الاعتبار تعويض بعض أصحاب المهن اليومية الذين ستتضرر أرزاقهم جراء بعض قرارات الحظر، وهو ما يحولهم من رافضين لداعين لتنفيذ تلك القرارات.
عدم الوعي ،أزمة سقط بها شعب إيطاليا ، حتى صار خطرا يهدد العالم أجمع، بينما على الضفة الأخرى من الأزمة استطاع الشعب الصيني، وهو أصل المرض، أن يحتوي الأمر بوعي يحسد عليه، ليخرج من كبوته ويتعافى ، حتى أن سلطاته صارت تحذر رعاياها من الدول الموبوءة!
ترى فأيهما نختار نحن المصريين؛ أن نظل في غيبوبة اللاوعي لنفيق على كابوس إيطاليا، أم نهتدي إلى الوعي الجمعي بما يحيق بنا ونعبر إلى شاطيء النجاة بجوار الصين ؟